كيف تؤثر ديناميكيات الفريق على القرارات الإبداعية.. ولماذا يجب الحذر منه
تخيل هذا السيناريو: يجتمع فريق من أذكى العقول في شركتك لمناقشة مشروع جديد. قبل الاجتماع، كان لدى معظمهم ميل حذر نحو الموافقة، مع بعض التحفظات. ولكن بعد ساعة من النقاش، وتبادل الحجج المؤيدة، وتعزيز كل منهم لآراء الآخر، يخرج الفريق بقرار جماعي ليس حذرًا على الإطلاق، بل شديد الحماس والمخاطرة، ومتطرف في تفاؤله. ما حدث هنا ليس مجرد بناء للإجماع، بل هو انزلاق نحو ظاهرة نفسية اجتماعية خطيرة تعرف بـ”الاستقطاب الجماعي” (Group Polarization).
هذه الظاهرة، التي تم توثيقها في مئات الدراسات، تشير إلى أن المداولات داخل مجموعة متجانسة في الرأي تميل إلى جعل آراء أفرادها أكثر تطرفًا في نفس اتجاه ميلهم الأصلي. إذا كانت المجموعة تميل قليلاً نحو المخاطرة، فإن النقاش سيجعلها أكثر إقدامًا على المخاطرة. وإذا كانت تميل قليلاً نحو الحذر، فإن النقاش سيجعلها أكثر ترددًا وجبنًا. هذا يحدث لسببين رئيسيين:
أولاً، “التأثير المعلوماتي”، حيث يستمع الأفراد إلى حجج جديدة تدعم وجهة نظرهم الأصلية لم يكونوا قد فكروا فيها من قبل، مما يعزز قناعتهم.
ثانيًا، “التأثير المعياري”، حيث يسعى الأفراد لإظهار أنهم أعضاء “جيدون” في المجموعة من خلال تبني نسخة أكثر حماسًا وتطرفًا من الموقف السائد لكسب القبول الاجتماعي.
في عالم الأعمال، يمكن أن تكون عواقب الاستقطاب الجماعي مدمرة. يمكن أن يؤدي إلى استثمارات مفرطة في مشاريع غير مدروسة، أو إطلاق منتجات لا تلبي حاجة حقيقية في السوق، أو على النقيض، تفويت فرص ذهبية بسبب حذر مبالغ فيه. المشكلة تكمن في أن الفريق يشعر بثقة مطلقة في قراره، لأنه تم التوصل إليه “جماعيًا”، مما يخلق وهمًا بالصواب والأمان. كل فرد يعتقد أن “الجميع يوافق، إذن لا بد أننا على حق”، متجاهلين حقيقة أن هذا الإجماع قد يكون مجرد صدى مكبر لميل أولي، وليس نتيجة تحليل نقدي ومتوازن.
إذن، كيف يمكن للقادة حماية فرقهم من هذا الفخ؟ الحل يكمن في كسر التجانس وتشجيع الاختلاف المتعمد. يجب على القائد أن يلعب دور “محامي الشيطان”، أو أن يعين شخصًا في الفريق للقيام بهذا الدور رسميًا في كل اجتماع، مهمته هي تحدي الافتراضات السائدة والبحث عن نقاط الضعف في الحجج المؤيدة. كما أن دعوة خبراء من خارج الفريق أو حتى من خارج الشركة لتقديم وجهة نظر محايدة يمكن أن تكسر فقاعة التفكير الجماعي.
بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يساعد تقسيم الفريق إلى مجموعات أصغر لمناقشة القضية بشكل منفصل ثم إعادة تجميعهم لمقارنة النتائج في إظهار وجهات نظر مختلفة ربما كانت ستختفي في نقاش جماعي واحد.
إن الإدراك بأن الذكاء الجماعي ليس مضمونًا هو الخطوة الأولى نحو اتخاذ قرارات أفضل. الحكمة لا تأتي من اتفاق الجميع، بل من التصادم الصحي بين الأفكار المختلفة. القائد الحقيقي لا يسعى إلى إجماع سريع ومريح، بل يبني ثقافة يشعر فيها كل فرد بالأمان للتعبير عن رأي مخالف، لأنهم يعلمون أن الهدف ليس الفوز في النقاش، بل الوصول إلى الحقيقة، حتى لو كانت غير مريحة.