لماذا الخلط بينهما قد يدمّر علامتك التجارية؟

دعنا نكون صريحين، ليس كل من لديه متابعون هو مؤثر حقيقي.

يتكرر مشهد استخدام الشركات للمشاهير في حملاتها التسويقية، من عيادات التجميل إلى شركات الاتصالات. السؤال ليس إن كان هذا يجلب الانتباه – فهو يفعل – لكن السؤال الاستراتيجي هو: هل يبني هذا الانتباه ثقة؟ وهل هذه الثقة تدوم؟ هنا، يقدم لنا علم النفس الاجتماعي إجابة دقيقة من خلال “نموذج مصداقية المصدر” (Source Credibility Model). هذا النموذج يخبرنا أن الإقناع لا يعتمد على الشهرة، بل على عاملين أساسيين: الخبرة (Expertise) والجدارة بالثقة (Trustworthiness).

المشهور يمتلك وصولاً واسعًا لكنه يفتقر غالبًا لعامل “الخبرة” في منتجك. عندما يظهر في إعلان، فإن عقل المدير أو المستهلك الواعي يفهم فورًا أن هذه علاقة تجارية. نحن نرى شخصًا جذابًا أو محبوبًا، وهذا قد يثير اهتمامنا اللحظي بناءً على ما يُعرف بـ”التحيز للمحاباة” (Liking Heuristic)، حيث نميل للموافقة على آراء من نحبهم. لكن هذه العلاقة سطحية، وعندما يتعلق الأمر بقرار شراء جاد، فإن عامل “الجدارة بالثقة” يكون ضعيفًا لأن الدافع المادي واضح للجميع.

أما المؤثر الحقيقي، فهو يبني كل قيمته على هذين العاملين. هو شخص اكتسب سمعته لأنه خبير وجدير بالثقة في مجال محدد جدًا. عندنا، كما في كل مكان آخر، نرى هذا بوضوح. أنت لا تبحث عن نصيحة تقنية من ممثل كوميدي، بل من ذلك الشاب الذي يحلل أداء اللابتوبات قطعة قطعة. أنت لا تثق في رأي أي شخص عن السيارات، بل تذهب لذلك الخبير الذي يقضي وقته في اختبارها وشرح تفاصيلها. هنا يعمل “التحيز للسلطة” (Authority Heuristic) بقوة، حيث يميل عقلنا لتصديق الخبراء بشكل تلقائي.

الخطر الذي تواجهه الشركات عند الخلط بين الاثنين ليس مجرد إهدار للميزانية على انتباه لا يتحول لمبيعات، بل شيء أعمق يسمى “إضعاف العلامة التجارية” (Brand Dilution). عندما تربط منتجك الذي يتطلب ثقة بشخصية لا تملك أي مصداقية في مجالك، فأنت تخبر السوق ضمنيًا أن علامتك التجارية لا تقدر الخبرة.

ببساطة، الشهرة تشتري لك “وصولاً”، لكن الخبرة والثقة تبنيان لك “أصلاً”. والاستثمار التسويقي الذكي لا يبحث عن مجرد الظهور، بل عن بناء أصول دائمة من الثقة والمصداقية.

فهمنا الآن أن الثقة المتخصصة هي العملة الأقوى. لكن ماذا يحدث عندما تتجمع توصيات هؤلاء الخبراء وتنتشر بين الناس؟ هنا ننتقل من قوة الفرد إلى قوة الجماعة، وهذا ما يُعرف بـ”تأثير القطيع الرقمي”، وهو موضوعنا المثير في المقال القادم.