لماذا ينتشر منشور تافه وآخر لا؟
هناك تصرف محيّر في السوشيال ميديا. لماذا قد تنفق شركة ما ميزانية ضخمة على إنتاج إعلان مُذْهِل، فيموت في صمت، بينما تصميم بسيط أو منشور عادي ينتشر كالنار في الهشيم ويصبح حديث الناس لأيام؟
يخطِئ الكثيرون حين يظنون أن السر يكمن في جودة المحتوى نفسه. لكن الحقيقة يا صديقي، هي أن المحتوى هو “النَّوَاة” فقط للانفجار. هو مادة اليورانيوم المليئة بالطاقة، لكنها خاملة وساكنة بمفردها. لكي يحدث الانفجار هناك شروط وظروف مناسبة، فأنت مثلاً تحتاج إلى شرارة، إلى “نيوترون” أولي يضرب هذه النَّوَاة ويبدأ التفاعل المتسلسل. هذا النيوترون هو التفاعل الأول من الجمهور.
لنعد إلى سلوكنا اليومي. أنت ترى منشورًا جديدًا، لا يهم مدى مُحتواه، انت تفعل شيء غريزي غريب، أنت تمرر الشاشة لأسفل. عيناك لا تبحث عن زر “أعجبني”، بل تبحث عن قسم التعليقات. أنت تريد أن تعرف: ماذا قال الناس؟ هل هم يسخرون؟ هل هم معجبون؟، كم شخص تفاعل بـ أعجبني، وكم شخص تفاعل بـ أغضبني، في ظاهرة طبيعية للكائنات تعرف باسم الدليل الاجتماعي Social proof، باختصار، هي احتياجنا المُلح لاتباع القطيع.
التصميم الأخير الذي أثار الجدل لم ينتشر لأن التصميم نفسه كان عبقريًا. لا، هناك تصميمات أفضل تُنْشَرُ كل يوم. لقد انفجر لأن أول بضعة أشخاص تفاعلوا معه كانوا مؤثرين في دوائرهم.
هذا التفاعل المدروس كان كافيًا لبدء سلسلة ضخمة من التفاعلات الأخرى لأصدقائهم، ثم لأصدقاء أصدقائهم، ثم لأصدقائك، ثم لك أنت الذي بدورك قمت بالتفاعل معه. ليس لأنك أحببت التصميم فعلًا، أو لأنك خبير، بل لأن الجميع يتحدث عن الأمر، وأنت لا تريد أن تكون خارج القطيع، فتحتاج أيضًا الحديث عنه.
في دوركاس، نعرف أن السر ليس فقط في صناعة نَوَاة قوية، بل في “هندسة التفاعل الأول”. يجب أن تعرف أين ستسقط هذه النَّوَاة، ومن هو أول شخص سيتفاعل معها. القدرة على رؤية هذه التيارات الخفية وركوب موجتها هو ما يُطْلِقُ عليه البعض الترندات، وهي قصة بحد ذاتها لوقت آخر.
لكن، هناك قوة أخرى أقدم من خوفنا من الاستبعاد، ورغبتنا في اتباع القطيع، قوة أكثر وحشية. تهمس مباشرة لأعمق مخاوفنا كبشر: إنها الخوف من الخسارة. والمسوقون يعرفون لغتها جيدًا.
في المقال القادم، سنتحدث عن هذا الخوف. كيف يتم استغلاله بقسوة، ليجعلنا نتخذ قرارات سريعة قد لا تكون في صالحنا دائمًا.